ميراث سليمان لداوود
ليس المقصود بما ورثه سيدنا داوود لسيدنا سليمان المال، وذلك لأن سيدنا داوود عليه السلام كان له تسعة عشرة ولداً بينما اقتصر الورث في الآية الكريمة على سيدنا سليمان دون بقية أخوته وهذا إن دل فإنما يدل على أن سليمان عليه السلام ورث والده في الحكم والنبوة ثم صار بعد ذلك ملكاً.سليمان مع الهدهد
لقد سخر الله سبحانه وتعالى لسيدنا سليمان عليه السلام جميع الطيور فكان يفهم لغة الطير ويعلم تسبيحهم، وكان سيدنا سليمان يسخر الطير في قضاء الحوائج وفي البحث عن الماء وكذا أيضاً تفقد أحوال الأقوام والشعوب والإتيان بأخبارهم ومن الطيور التي كانت مسخرة لسيدنا سليمان عليه السلام بإذن ربها الهدهد، وذات يوم من الأيام تفقد سيدنا سليمان عليه السلام الهدهد فلم يجده، ولم يكن الهدهد استأذن من سيدنا سليمان في هذا اليوم في أن يغيب عنه فتوعد سيدنا سليمان الهدهد بعذاب شديد أو الذبح إن لم يكن لغيابه عذر مقبول، وبعد فترة جاء الهدهد إلى سيدنا سليمان عليه السلام فسأله عن سر غيابه وتأخره، فأجاب الهدهد على سيدنا سليمان عليه السلام أنه خرج إلى أرض سبأ فوجد فيها قوماً يسجدون للشمس من دون الله سبحانه وتعالى، ويرون أن الشمس هي التي تستحق العبادة، وهي التى تملك النفع والضر، وأراد سيدنا سليمان عليه السلام أن يتأكد من صحة هذا الخبر، وقال لئن كان هذا الهدهد صادقاً فلن أعذبه ولن أذبحه وعزم سيدنا سليمان على أن يكتب لهؤلاء القوم.كتاب سليمان لملكة سبأ
كتب سيدنا سليمان عليه السلام كتاباً إلى ملكة سبأ وكانت تسمى ( بلقيس) ودعاها في كتابه إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الشمس التي لا تملك نفعاً ولا ضراً وأعطى سيدنا سليمان الكتاب للهدهد، وأمره أن يقوم بإلقائه عليهم ثم ينتظر فينظر ماذا يفعلون بهذا الكتاب، قيل أن الهدهد تحرى نافذة مفتوحة من قصر بلقيس كانت قد فتحت تلك النافذة لكي تدخل الشمس منها فتتعبد لها بلقيس، فألقى الهدهد الكتاب الذي أرسله معه سيدنا سليمان من هذه النافذة فلما رأت بلقيس الكتاب قراءته وعلمت ما فيه فقامت إلى قومها فجمعتهم وقصت عليهم أن سليمان قد أرسل إليها كتاباً وأنه يأمرهم فيه بأن يأتوا إليه مسلمين خاضعين فأخذت رأيهم ومشورتهم فقالوا لها أنهم قوم أقوياء وعندهم المال ولهم البأس الشديد وفوضوا الأمر لبلقيس لترى فيه رأيها، فاقترحت بلقيس على قومها أن ترسل لسيدنا سليمان عليه السلام بهدية لكي تستجلب رضا سيدنا سليمان عليه السلام وألا تقوم الحرب بينهما، ولما جاءت الهدية إلى سيدنا سليمان عليه السلام غضب سيدنا سليمان لأنه لم يكن يحتاج إلى هدايا لأن ما آتاه الله سبحانه وتعالى خير له مما أرسلت به بلقيس ملكة سبأ وهددهم سيدنا سليمان بأنه سوف يرسل لهم جيشه.بلقيس وسليمان
لما هدد سيدنا سليمان عليه السلام بلقيس ملكة سبأ بأنه سوف يرسل جيشه إليها رأت في نفسها أن تزعن لأمر سيدنا سليمان وأن تذهب إليه بنفسها، ولما علم سيدنا سليمان عليه السلام بأنها سوف تأتي إليه جمع سيدنا سليمان حاشيته من الجن والأنس والطير، وطلب منهم أن يحضروا إليه بعرش بلقيس فقال واحد من الجن أنه قادر على أن يذهب فيأت به قبل أن يقوم سيدنا سليمان عليه السلام من مجلسه الذي كان جالساً فيه، وقال الذي عنده علم من الكتاب لسيدنا سليمان عليه السلام أنا آتيك بعرش بلقيس قبل أن تغلق عينيك وتفتحها فيرتد اليك بصرك.عرش بلقيس عند سليمان
ماذا فعلت بلقيس حين رأت عرشها عند سليمان لما حضر عرش بلقيس ملكة سبأ عند سيدنا سليمان عليه السلام واستقر أمامه حمد الله سبحانه وتعالى وأثنى عليه وعلم أن هذا إنما حدث بقدرة الله عز وجل وأن هذا من النعم التي أنعم الله عليه به وأمر جنوده أن يغيروا في عرشها بعض أوصافه لينظر هل ستعرفه بلقيس أم لا، فلما جاءت بلقيس ملكة سبأ إلى سيدنا سليمان عليه السلام ورأت العرش وسألها سيدنا سليمان عليه السلام هل هذا عرشك قالت كأنه هو فقال لها سيدنا سليمان عليه السلام أدخلي القصر ولما رأت القصر حسبت أن أرضه نهراً من ماء فرفعت الثوب عن ساقيها فقال لها سيدنا سليمان عليه السلام أن هذا القصر ممرض بالقوارير، ولما رأت بلقيس هذه المعجزات ورأت ملك سيدنا سليمان عليه السلام علمت أنه نبي من الله عز وجل فأعلنت خضوعها واستسلامها لله سبحانه وتعالى، ولقد صور القرآن الكريم ذلك المشهد في أبدع صورة فقال سبحانه وتعالى في سوره النمل (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شيء وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ).حكم سليمان في الحرث
من النعم التي أنعم الله على سيدنا سليمان بها أن آتاه الله الفطنة والدهاء وسرعة البديهة كما أنعم الله عليه بالفصل الصحيح في القضاء بين الناس، وذات يوم من الأيام دخل على سيدنا سليمان وكان معه والده داوود، رجلان يختصمان فيما بينهما قال أحدهما أن له حرثاً نزلت به ماشية هذا الرجل فأفسدت الحرث وحكم سيدنا داود عليه السلام للرجل صاحب الأرض أن يأخذ ماشية الرجل الآخر مقابل الحرث الذي هلك، ولكن سيدنا سليمان عليه السلام رأى أن يأخذ صاحب الأنغام الأرض يحرثها ويزرعها حتى تعود إلى الحالة التي كانت عليها ويأخذ صاحب الأرض الأنغام ينتفع بها ويشرب من لبنها حتى يعود الحرث إلى الحالة التي كان عليها فيرد إلى الرجل غنمه ويأخذ أرضه، وأعجب سيدنا داوود عليه السلام بحكم سيدنا سليمان لما رأى فيه من تحقيق العدال.سليمان مع النمله
كان سيدنا سليمان عليه السلام يفهم لغة الطيور والحشرات وهذا من نعم الله سبحانه وتعالى التي أنعم بها على سيدنا سليمان عليه السلام، وذات يوم كان سيدنا سليمان عليه السلام يسير مع جنوده فسمع نملة تصيح في النمل أن يدخلوا مساكنهم حتى لا تدهسهم جنود سليمان عليه السلام بأقدامهم وهم لا يشعرون بهم فوقف سيدنا سليمان عليه السلام يستمع إليها ويضحك لقولها، وشكر سيدنا سليمان عليه السلام ربه على نعمه التي أنعم بها عليه وعلى والده من قبله وسأل الله عز وجل أن يرزقه عمل صالح حتى يرضى ربنا سبحانه وتعالى عنه، وأن يدخله برحمته في عباده الصالحين.تسخير سليمان للجن
كان سيدنا سليمان عليه السلام يسخر الجن في القيام بأعمال مثل البناء والغوص تحت الماء وغير ذلك من الأعمال التي كان يطلبها منهم سيدنا سليمان حتى يحقق النفع للمملكة التي كانوا يعيشون فيها، فكان من بين هؤلاء الجن من يقوم بتشييد الأبنية ومنهم من يقوموا ببناء بيوت للعبادة وهي المحاريب ومنهم من يقوموا بحفر آبار لحفظ الماء، والجدير بالذكر أن هذه الأفعال كانت مباحة في شريعة سيدنا سليمان عليه السلام ولقد شيد سيدنا سليمان عليه السلام مملكته حتى كانت أفضل مملكة على وجه الأرض إذ كان يأمر الجن بأن يستخرجوا اللؤلؤ والمرجان من قيعان البحار، وكان يعذب من لم يمتثل لأمره من الجن فيسلسله بالسلاسل ويسجنه ويعذبه عذاباً شديداً، فكان عهد سيدنا سليمان عليه السلام فيه من التقدم والرقي الكثير والكثير، وبنى سيدنا سليمان عليه السلام مملكته على أحدث طراز عجز التاريخ أن يكرر مثلها وذلك لأن الله عز وجل أعطاه ملكاً لم يعطه لأحد من بعدهموت سليمان
كان سيدنا سليمان عليه السلام شديد التسخير للجن وذات يوم من الأيام سخرهم في العمل وجلس سيدنا سليمان عليه السلام يراقبهم حتى لا يتهاون أحداً منهم في عمله، واتكأ سيدنا سليمان على عصاته فقبض الله روحه فظن الجن أنه قد نام وأخذوا يجدون في عملهم الذي طلبه منهم سيدنا سليمان عليه السلام دون تكاسل أو تهاون وهم يعتقدون أنه مازال نائماً، وأرسل الله سبحانه وتعالى دابة من الأرض جعلت تلك الدابة تأكل من عصاة سيدنا سليمان عليه السلام فلما أكلت الدابة العصا سقط سيدنا سليمان عليه السلام على الأرض، وفلما رأه الجن وعلموا أنه قد مات غسلوه ودفنوه، وأيقنوا أنهم لا يعلمون من الغيب شيئاً إذ لو كانوا يعلمون الغيب ما استمروا في هذا العمل الشاق، وقيل أن سيدنا سليمان عليه السلام مات ميتة طبيعية ولكن أُخفي أمر موته عن الجن حسب وصيته وطلبه، وقبل أن يموت سلم أمور الحكم لإبنه وظلت الجن في عملها خوفاً من سيدنا سليمان عليه السلام ولم يعلموا أنه قد مات، وكان لسيدنا سليمان عليه السلام عصا لا يتركها من يده فلما رآها أحد الجن ملقاة على الأرض تأكل منها حشرة من حشرات الأرض علم أن سيدنا سليمان قد مات وأخبر الجن بذلك، فلما عرفوا بموته قالوا لو كنا علمنا بموته ما لبثنا في هذا العمل الذي أتعبنا كل هذه المدة الطويلة والله أعلم.معجزات سليمان
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على سيدنا سليمان وأمده بمعجزات لم تكن لأحد من قبله من الأنبياء والرسل، ومنها.تسخير الجن لسيدنا سليمان عليه السلام، فلقد سخر الله سبحانه وتعالى لسيدنا سليمان الجن فكان يأمرهم بالقيام بالأعمال التي فيها النفع لمملكتهم، فصنعوا الأواني للطبخ، وعملوا في بناء دور العبادة، وبنوا القصور وأحواض المياه التي كانت تعرف بالجفان، وكذلك الصوامع الثابته التي كانت تعرف بالقدور الراسيات، واستخرجوا لسيدنا سليمان اللؤلؤ والمرجان من قاع البحر، وغير ذلك مما كان يأمرهم به سيدنا سليمان عليه السلام.
تسخير الريح، سخر الله سبحانه وتعالى الريح لسيدنا سليمان حيث كانت تمطر السحب إذا طلب منها أن تمطر، وتحمله الرياح إلى حيث يشاء كل ذلك بأمر الله سبحانه وتعالى
إذابة النحاس، سخر الله سبحانه وتعالى لسيدنا سليمان النحاس يذوب في يديه كيف يشاء فاستخدم سيدنا سليمان عليه السلام في تشييد مملكته النحاس كما استخدمه أيضاً في صناعة بعض الأسلحة.
فهم سيدنا سليمان لغة الطيور، كان سيدنا سليمان عليه السلام يفهم كلام ما لا ينطق مثل الجمادات والحيوانات والنباتات والحشرات والطير وغير ذلك مما أنعم الله سبحانه وتعالى على سيدنا سليمان به.
الدروس المستفاده
من قصه سيدنا سليمان عليه السلامقصه سيدنا سليمان عليه السلام مليئة بالدروس والعبر نستخلص منها ما يلي.
يجب على القائد الناجح أن يقوم بتفقد أحوال من يحكمهم كما فعل سيدنا سليمان عليه السلام وعلم بغياب الهدهد لأن تفقد الجيش أمر مهم من أمور الحكم.
الجن لا يعلمون الغيب كما جاء في قصة سيدنا سليمان عليه السلام حين مات ولبث الجن في عملهم ولم ينقطعوا عنه لأنهم لم يعلموا بموت سيدنا سليمان عليه السلام.
قبول الأعتذار من الأخرين حيث قبل سيدنا سليمان عليه السلام عذر الهدهد وغيابه بغير إذنه.
لا يعلم الغيب أحداً إلا الله سبحانه وتعالى وأن الأنبياء لا يعلمون الغيب كما حدث مع سيدنا سليمان عليه السلام لما جاء له الهدهد بعلم أحاط به الهدهد ولم يعلمه سيدنا سليمان عليه السلام.
الخضوع للحق والإذعان له كما فعلت بلقيس ملكة سبأ حين علمت أن الحق مع سيدنا سليمان عليه السلام فآمنت بالله وأسلمت مع سيدنا سليمان عليه السلام.