admin
16-03-2025 - 07:27 pm


المغول والتتار
إتحدت قبائل المغول الرحل التي تسكن السهول الشمالية الواقعة بين سيبيريا و شمال الصين.
سهول قاحلة و جغرافيا صعبة و صراعات مستمرة بين هذه قبائل الرعاة.
قبائل تعيش على رعي الأغنام وكانت هذه القبائل الهمجية تهاجم شمال الصين بين الحين و الأخر للسلب والنهب.
و كان حكام الصين قد أقاموا منظومة لتقديم رشاوى لهذه القبائل لتقليل هذه الهجمات عبر إعطاء بعض العطايا لهم بين الحين والأخر أو إستئجار بعض هذه القبائل للعمل كحراس على الحدود الشمالية للصين.

سور الصين العظيم

فضلاً عن بناء أسوار لتحمي الصين نفسها من هجمات القبائل المغولية الهمجية المتوحشة .
وظلت هذه المنطقة مصدر متاعب عبر السهول الشمالية الممتدة من شرق أسيا إلى شرق أوروبا وموسكو و بولندا وبحر قزوين.
وكما ظهر أتيال قائد يوحد قبائل الهون القادمة من هذه المنطقة في القرن الرابع الميلادي كما شرحنا من قبل.
ظهر في أول القرن الثالث عشر تيموجين ! (جنكيز خان)

جنكيز خان

قام جنكيز خان بعد طفولة صعبة و معقدة بقيادة أحد فروع المغول و قام بتوحيد القبائل بعد حروب طويلة.
ثم إنطلق لغزو الصين وبعدها التوجه إلى سهول وسط آسيا ليصل حتى شرق أوروبا ثم غزو الدولة الخوارزمية المسلمة.
وإستمر المغول في التوسع و الغزو حتى قام هولاكو بإقتحام بغداد.

هولاكو

إستمر هولاكو في التقدم نحو الشام الى أن توقف بسبب دخوله في حرب مع بركة خان قائد قبائل المغول وأحد أقاربه الذي دخل الاسلام.
من ناحية و تراجعه مع إرسال جزء صغير من جيشه إلى الشام لمواجهة جيش المماليك حيث تمت هزيمته في معركة عين جالوت وبذلك توقف تقدم المغول إلى الغرب و تم إنقاذ العالم العربي المسلم.
لكن بعد تدمير شرق العالم الإسلامي و إصابة بعض أعظم مناطق العالم الإسلامي الحضارية لفرس و آسيا الوسطى بحالة من الفوضى و فقدان الذاكرة. حتى أن اللغة العربية التي كانت اللغة الرسمية.
في فارس ولغة العلم والفن تراجعت وحل محلها اللغة الفارسية التي كانت تعتبر اللغة العامية لغير المتعلمين في هذه البلاد طوال ستة قرون.
وبعد أن كان علماء فارس يكتبون كتبهم وشعرهم وافكارهم بالعربية تحول المفكرين والعلماء والشعراء في فارس إلى الكتابة باللغة الفارسية.
و كما نعلم أغلب علماء السنة قادمين من فارس فضلاً عن بن سينا والخوارزمي وغيرهم من عظماء علماء الإسلام الذين كانت أغلب كتاباتهم مكتوبة بالعربية لغة العلم والعلماء وتحول سكان فارس إلى الغات العامية مثل الفارسية والتركية.

المغول

والمغول لم يكن لهم حضارة لكن كانوا محاربين أشداء و لديهم بعض القوانين والأفكار مثل قانون الياسق الذي وضعه جانكيز خان وبعض الأفكار المتعلقة بالأرواح و التعامالت.
ولذلك تفككت دولة المغول بسرعة ونتج عنها الذوبان في الحضارات العظيمة المجاورة لها.
في الشرق ذاب الفرع المغولي في حضارة الصين حيث تحول حكام الصين المغول إالى الثقافة الصينة و تم تأسيس أسرة يوان في القرن الثالث عشر والتي إستمرت في حكم الصين لمدة قرنين من الزمان.

التتار

وإستمرت الصين موحدة تحت حكم هذه الأسرة :
في شمال الهند تكونت دولة المغول التي دخلت الإسلام و نشرت الإسلام في الهند وحكمت الهند ثالثمئة عام و أسسها ظهير الدين في القرن السادس عشر و يعتبر حكم المغول للهند هو أعظم فترات الهند الحضارية و التي أنتجت العلوم والفنون العظيمة التي تفخر بها الهند اليوم رغم محاوالت تشويه العنصريين الهندوس اليوم لهذه.
المرحلة العظيمة التي كان تسامح الحكام المغول المسلمين يضرب به المثال عبر التاريخ فضلا عن إنجازات شهيرة في الرياضيات و المعمار مثل بناء تاج محل وغيرها.
كل هذا من إبداع عصر الحكم المغولي المسلم للهند.

الحضارة الاسلامية

في الغرب ذاب المغول في الحضارة الإسلامية و تكونت خانات وممالك مغولية مسلمة متفرقة على طول المساحة في بلاد أسيا الوسطى و فارس وشرق أوروبا حيث كانت روسية و الاوكرانية و البولندية تدفع الجزية لخانات المغول المسلمة.
و تحولوا إلى سفراء الإسلام و المسلمين و لفترة طويلة كانت إمبراطورية المغول وسيلة إزدهار التجارة و رواج طريق الحرير بين الشرق والغرب وإنتقال البضائع والإستقرار ونقل الأفكار بين الشرق والغرب.

أوروبا

لكن أيضاً مع التجارة وكما تنتقل الأفكار, تنتقل الأمراض أيضاً ! مما ساعد على نقل الطاعون من الصين إلى العالم الإسلامي و أوروبا فيما يعرف بالموت الإسود أو وباء.
الطاعون الكبير الذي إنتشر في أوروبا الفقيرة الغير نظيفة خلال القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلادي وتسبب في موت حوالي 50 % من سكان أوروبا التي إنتشر فيها الطاعون.
أكثر من بقية العالم بسبب عدم توفر عادات النظافة الشخصية , حيث كان الإستحمام أمر غير محبذ في أفكار المسيحية في العصور الوسطى.
فضلاً عن الفقر والجهل حيث كان الناس في أوروبا يعتبرون الماء مصدرا للمرض و الطهارة عادة اسلامية تتعارض مع التواضع المسيحي و نكران الذات وإهمال الجسد.

و يعتبر غزو المغول للعالم الاسلامي هو الضربة القاضية لإلبداع و تزايد عسكرة الدول وتراجع اللغة العربية و تصاعد اللغة التركية كلغة للسياسة و الفارسية كالغة للفنون و تراجع اللغة العربية لتكون لغة العلوم و الدين.

و بعد قرنين من الضعف و الفوضى و غسيل المخ و ضياع الكثير من المكتبات في بلاد
فارس و وسط آسيا مع ازدهار للتجارة و المال و القوة العسكرية . بدأ في القرن الخامس عشر
صعود الدول التركية في صورة الدولة العثمانية التي توسعت لتسيطر على وسط آسيا و تمتد
الى العالم الاسلامي العربي و صورة الدولة الصفوية و التي هي أيضا قادمة من قبيلة تركية و
سيطرت على هضبة فارس و إيران و كي تحافظ على التفرد و الاختالف عن الدولة العثمانية
قامت بفرض المذهب الشيعي بالقوة على سكان بلاد فارس و بعد ان كان أغلب سكان فارس
من أهل السنة تم تحويل سكان فارس بالقوة الى المذهب الشيعي في عهد عباس أفندي حاكم
الدولة الصفوية و الذي إستورد عادات و تقاليد من بلاد العالم لصناعة صورة مستقلة للمذهب
الشيعي الاثني عشري في بلاده

و قبل الدولة الصفوية كان الشيعة مذهب بسيط جدا ينحصر في جنوب العراق و جبال لبنان .
و لكن بعد حكم و فرض المذهب الشيعي في الدولة الصفوية أصبح المذهب الشيعي يتبعه حوالي 10 %من المسلمين في العالم.

الدولة العثمانية

وتسبب الصراع بين الدولة الصفوية و الدولة العثمانية في تعطيل الدولة العثمانية عن
استكمال غزوها ألوروبا حيث تراجع الجيش العثماني عن حصار فينا في القرن السادس عشر
بسبب هجوم الجيش الصفوي على العراق و تحالفه مع الدول الاوروبية و المماليك في مصر
ضد العثمانيين.

العثمانيين

ونلاحظ أن إنتشار الإسلام في عصور الحضارة الإسلامية الأولى بين الشعوب في البلاد المفتوحة كان كبير في كل البلاد التي فتحها العرب بينما في البلاد التي فتحها العثمانيين في أوروبا لم ينتشر الإسلام بنفس الصورة وربما يكون ذلك بسبب العنف العثماني وتراجع الدور الحضاري والفكري في الحوار مع الحضارات و تزايد سيطرة فكر العسكر والفكر الإقتصادي المادي على الفتوحات العثمانية.

ومع القرن السادس عشر كان العالم الإسلامي في قمة القوة العسكرية والإقتصادية وكذلك الصين .

لكن من ناحية أخرى كان في حالة ركود فكري و تقليد للماضي بدون أي إبداع علمي أو فلسفي أو حضاري أو فكري.
بينما كان غرب أوروبا و سواحل البحر الابيض المتوسط الشمالية , إيطاليا و صقلية والأندلس , تبحث عن مخرج و وسيلة للخروج من عصور طويلة من الفقر والجهل والتخلف.

وكان المخرج المنطقي لغرب أوروبا المنفصل عن العالم - و المحاط بحصار إسالمي من الدولة العثمانية في الشرق تمنع عنه التواصل مع طرق التجارة مع الصين - هو البحث عن طريق أخر.

فجاءت ضربة الحظ التي لعبت دورا هاما في تغيير مسار التاريخ.
رحالت الإستكشاف البحرية سعيا للبحث عن طريق للشرق يمر عبر الاراضي الاسلامية , حمالت تحمل الفكر. الصليبي والحماس ضد الاسلام ( فوجد الغرب من خلال كريستوفر كولومبس سنة 1492 ما لم يتوقعه ) العالم الجديد الأمريكتين , ووجد الرحالة البرتغاليين طريق رأس الرجاء الصالح إلى المحيط الهندي وجزر إندونيسيا والفلبين والهند والصين.

و كان القرن السابع عشر هو قرن صعود الغرب الأوروبي و القرن الثامن عشر قرن الإستعمار و القرن التاسع عشر والعشرين قرون السيطرة الأوروبية على العالم.

وطوال الفترة من القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر الميلادي كان المحيط الهندي بحيرة إسلامية يسيطر عليه أسطول مملكة عمان التي كان إمتدادها شرق قارة أفريقيا ومناطق في فارس والهند.
فضلاً عن الممالك المسلمة المتحالفة معها في الجزر التي تقع حالياً في أرخبيل الملايو , ماليزيا و أندونيسيا و الفلبين , الممتدة إلى أستراليا , فضلا عن ممالك المغول المسلمة في الهند.

المماليك

المماليك كانت دولة عظيمة , و كانت عاصمتها القاهرة في القرن الثالث عشر هي عاصمة العالم , قمة التجارة و الحضارة وعاصمة المال و السياسة.
دولة قوية يحترمها العالم كله , كذلك الدولة العثمانية كانت دولة عظيمة.

المماليك كانت منظومة مناسبة لهذا العصر مثل الساموراي في اليابان والإقطاعيين الفرسان في أوروبا.
كانت هذه هي المنظومة الطبيعية للحكم في هذا العصر.
لكن كما قلنا من قبل نهضة الأمم تحدث بالشعوب و الحكام يكونون مجرد عامل مساعد أو نتيجة لطريقة تفكير المجتمع في هذا العصر و ذلك الوقت.

و لكل طريقة في رؤية القصص تفاصيل يمكن أن تكون مضللة , فيمكن أن يركز أحدهم في حكايته للتاريخ عن بعض الأزمات أو المشاكل أثناء المماليك أو العثمانيين تماماً كما يمكن أن يركز أحدهم على تشويه صورة الولايات المتحدة الأمريكية اليوم بالحديث المستفيض عن المشردين والفقراء في أمريكا أو غياب العدالة الإجتماعية ومؤامرات السياسيين في واشنطن.
لكن هذا لا يمكن ان ينفي ان الولايات المتحدة هي أعظم قوة في العالم في القرن العشرين.

الثورة الفرنسية

و كذلك ما تراه في التاريخ من تشويه متعمد لإلتحاد السوفيتي بعد هزيمته أمام الولايات المتحدة , أو تشويه متعمد للملكية الفرنسية بعد الثورة الفرنسية.
هناك من يركز على مرحلة ضعف الدولة العثمانية في أواخر أيامها و يحاول أن يقنعنا أن الدولة العثمانية هي مجموعة من المظالم و الضعف طوال حياتها , و هذا غير صحيح.
فمثال مصر والشام تحت الحكم العثماني كانت بلاد غنية جداً و تحول الأزهر والقاهرة الى مركز العلوم لكل العالم الإسلامي بفضل نشر هذه السيطرة من خلال الدولة العثمانية.


وكانت التجارة و الإحتكاك في مصر و الشام مع العالم نشيط جداً في القرون الثالثة الأولى من الحكم العثماني من خلال التجارة عبر البحر الأبيض المتوسط و ليس كما يحاول أن يقوله البعض أن مصر كانت مغلقة و لم ترى أي أفكار إلا مع إحتلال فرنسا و نابليون لمصر!.
فهذا تزوير غير منطقي للتاريخ.

الأندلس

و قبل أن ندخل في تفاصيل المرحلة الجديدة من رحلة الإمبراطوريات وإنتقال مركز القوة من
الدولة العثمانية المسلمة إلى الإمبراطورية الأسبانية و البرتغالية ثم الروسية والإنجليزية والفرنسية ثم الأمريكية يجب أن ننظر ببعض التفصيل لقصة الأندلس التي فيها الكثير من الصور الهامة التي تجعلنا نفهم الكثير من واقع اليوم.
ونرى مرحلة الإنتقال بوضوح للحضارة من العالم الإسلامي إلى العالم الغربي الأوروبي.


المغولالتتار