admin
18-03-2025 - 11:31 pm


حضارات الشرق والغرب
من الأثار الموجودة يقول علماء الأثار أنه منذ ما يقرب من 5000 سنة بدأت الحضارات في التكون حول الأنهار وفي مناطق المناخ المعتدل
الذي يسمح بالأستقرار والزراعة وتربية الحيوانات الأليفة وتطورت الكتابة وتبادل المعلومات والأفكار ومعها تطورت قدرات الإنسان المعمارية
على بناء مباني شاهقة تعيش لقرون طويلة مثل الأهرامات في مصر الفرعونية القديمة.

وقصة دورإنتقال الحضارات يمكن تلخيصها كما يلي:

تكون البداية بظهور مركز حضاري يتكون من حكومة قوية وحاكم يحكم منطقة غنية ويجمع ما يكفي من الضرائب أو أرباح من الغزوات والحروب
والغزو وهي أفضل وسيلة لتحقيق أعلى المكاسب بشرط الأنفاق في البداية على الحرب والمعارك لتجمع الأرباح الغزيرة فيما بعد بشرط أن تنتصر
في الحرب مما يمكنه من بناء دولة وجيش قوي ومؤسسات من الموظفين المسؤولين عن جمع الضرائب وتعبئة خزائن الدولة بالغنائم.

المركز القوي يستعمل قوته في نشر وتوسيع رقعة الأرض التي يحكمها مما يسمح بالمزيد من الغنائم والأموال تدخل الى الخزائن
لأن أكثر أعمال واستثمارات العالم ربحا طوال التاريخ هي الحرب والغزو حيث أن مستوى المعيشة يرتفع في هذا المركز
ومعه تتزايد تكاليف هذه المعيشة وإحتياجات من يعيش في هذا المركز هنا تظهر ما يسمى مزايا التخلف!
وهو أن تظهر في الأطراف مراكز صغيرة معجبة بالنموذج في المركز وتتعلم منه وتقتفي أثره لكن تكاليف الحياة فيها أقل
بالتدريج تتزايد قوة الأطراف الى أن تتحول إلى قوة أكبر من المركز وتهجم على المركز وتسيطر عليه وتتحول الأطراف
إلى مركز قوي ويصيبه نفس المرض وتنتقل الحضارة إلى طرف أخر.

بداية الحضارة

بدأت الحضارة في بالد ما بين النهرين العراق وشرق الشام وجنوب الأناضول منذ حوالي 5000 سنة في إمبراطوريات عظيمة
وظلت تتنقل بين أشور وبابل والسومريين لكن بالتدريج إنتقلت الى القبائل في هضبة إيران المجاورة وظهر الفرس والدولة الفارسية
منذ حوالي 3000 سنة.

بدأت الحضارة في وادي النيل مصر والسودان وصحراء ليبيا لكن بالتدريج إنتقلت عن طريق التجار الفينيقيين
من سواحل الشام الذين إستعمروا وأقاموا مستوطنات على طوال ساحل البحر الأبيض المتوسط حيث تقع سواحل
اليونان وإيطاليا وشبه جزيرة أيبيريا و تونس والمغرب إلى اليونان ثم من اليونان إلى الدولة الرومانية وقرطاج.

ثم إنتقلت حضارة فارس والروم إلى الحضارة السالمية في جنوب البحر الأبيض المتوسط ومصر والعراق
والشام والأندلس في عصور الدولة الأموية والعباسية بداية من القرن السابع الميلادي ثم إنتقلت القوة إلى
بلاد الفرس والترك في عصر العثمانيين والصفويين في القرن أل 14 الميلادي ثم إنتقلت غربا إلى أوروبا
الغربية منذ القرن ال 16 الميلادي واليوم نرى إنتقال الحضارة بالتدريج من الغرب الأوروبي وشمال امريكا
إلى جنوب شرق آسيا بنفس الطريقة حيث أيدي عاملة مجتهدة وأسلوب حياة أرخص في جنوب شرق أسيا
وفي نفس الوقت تعلم من شمال أمريكا وغرب أوروبا قواعد اللعبة من تصنيع وإقتصاد وحتى تاريخ الصين
عبر الأسر والإنتقال من التفتت إلى الإتحاد وعصور الممالك المتحاربة والممالك الثالثة وعصور الهان والسوي
مروراً بعصور السلالات الحاكمة الأخيرة مثل ال سونغ الشمالية والجنوبية مروراً بأسرة مينج وتشانج إلى
قيام الصين الحديثة نجد نفس القصص من إنتقال مراكز القوة والسيطرة في الصين بين الشمال والجنوب في
داخل الصين فضال دخول غزاة الشمال المغول وغزاة الغرب من الإيغور الترك وغزاة الجنوب من التبت
وإنتقال الحكم والسيطرة بين المراكز المختلفة.

حضارة الصين:

تظل حضارة الصين منذ بدايتها حضارة محلية لا تريد أن تخرج خارج أسوار الصين بل إن الصين
على مر العصور تحرص على إحاطة نفسها بأسوار لحماية نفسها من الغزوالخارجي وحضارتها شديدة
المحلية وقدراتها محدودة في الإنتشار وإقناع الشعوب خارج الصين وربما يكون هذا بسبب تعقيد لغات
الصين التي تعتمد على رسم الكلمات وليس الحروف أو بسبب أن عادات وتقاليد الصين وأفكارهم الخاصة
بهم لا تناسب غير الصينيين وكذلك دياناتهم وثقافاتهم.

وربما يكون بسبب تأثير الأفكار الكونفيشيوسية والطاوية والبوذية التي تحض على سلبية الشعوب والإستسلام
والتقديس الشديد للنظام والمنظومة والخوف من التغيير أو الخروج خارج حدود الصين والتشكك المستمر
في كل ما هو غريب أو مختلف عن الصين وهنا يجب أن نقول ميزة أساسية لحضارة الصين تجعلها تختلف
عن بقية حضارات العالم وهي أن اللغة التي تستعملها الصين اليوم مرتبطة إلى حد كبير بنفس اللغة التي إستعملها
الصينيون منذ 3000 سنة مما يجعلها حضارة مستمرة متراكمة.

حضارة الصين على عكس حضارة الفراعنة مثال التي إنتهت تماماً بلغاتها وعقائدها منذ حوالي 3000 سنة
بعد الغزو الفارسي لمصر وإحتلال الفرس لمصر لمدة مايقرب من 300 سنة وبعدهم الإسكندر المقدوني
وأحفاد الغزو اليوناني من البطالمة لمدة 200 سنة ثم الغزو والإحتلال الروماني لمدة 600 سنة
طوال هذه السنوات كانت يتم التنكيل بالمصريين و محو ذاكرتهم ومعاملتهم على أنهم عبيد بل
وكان ممنوع عليهم دخول عاصمة البالد التي بناها المحتلين.

نلاحظ أن مصر طوال عمرها كان الغزاة المحتلين يفضلون بناء عاصمتهم بعيداً عن النيل وعن الشعب المصري
كما بنى الهكسوس عاصمتهم في شرق مصر وكذلك بنى المحتلين اليونان والرومان عاصمتهم الإسكندرية
لتكون مرتبطة بالبحر المتوسط وبعيدة عن النيل وخلال هذه أل 1000 سنة فقد المصريون الذاكرة وضاعت
لغة الفراعنة وعلوم الفراعنة بل وحتى أديان الفراعنة تم إحلالها بالمسيحية قبل أن تتحول مصر إلى الإسلام
وهنا نلاحظ أن الفتح الإسلامي أعاد العاصمة إلى وادي النيل وهليوبوليس والفسطاط والقاهرة كما كانت
عواصم مصر القديمة مرتبطة بالنيل مثل طيبة والأقصر.


الشرقالغرب