العلوم تنقسم إلى ثلاثة أنواع :
1 -علوم مادية تتعامل مع الجسد و الجوانب المادية من الكون من فيزياء وكيمياء وطب
والرياضيات .. إلخ. وهي مشترك إنساني عام فال يوجد فارق بين تفاعالت المعادن والمواد في مجتمع صيني و مجتمع مسلم.
2 -علوم روحانية وهي مطلوبة للروح والتواصل مع الله و الشعور بالطمأنينة والسكينة
والرضا وهذه العلوم نحتاج إلى أنبياء ليبلغونا عن الطريق إلى الله والعبادات
التي تساعدنا على تحقيق السكينة والرضا وهذه تختلف من دين إلى أخر وشعب إلى أخر.
3 -علوم العواطف وهي علوم مثل الفنون والأداب التي تخاطب العواطف مثل الرسم
والموسيقى والشعر والأدب . وهي أمور ليس لها قواعد , و ترتبط بحالات نفسية
مؤقتة ومتقلبة ولكنها تساعد على الشعور بالسعادة والراحة أو التقلب نحو الغضب
والحزن وأيضاً تتأثر بالشعب والمكان والجغرافيا والزمان.
العلوم المادية تراكمية تتزايد مع تطور البشر. بينما العلوم الروحية التي جاء بها الأنبياء ثابتة ولا تتغير مع الزمن
ومن ناحية أخرى العلوم العاطفية متقلبة ترتفع وتهبط لا ترتبط بزمان ولا مكان وليس لها قواعد.
فقد نجد أبيات شعر جميلة جداً كتبها كاتبها منذ مئات السنين , ولم يستطع أحد أن يكتب شعر بنفس المستوى حتى اليوم.
أو شاعر يبدع في مرحلة ويتوقف إبداعه بعد ذلك لسنوات ثم يعود ليبدع مرة أخرى.
قبل إختراع الكتابة لم يكن البشر قادرين على تخزين العلوم وتبادل المعارف وتوارثها من جيل إلى جيل و نقلها من مكان إلى مكان .
وإختراع الكتابة منذ حوالي خمسة الأف سنة كان بداية تطور العلوم المادية والمعارف
ونقلها من جيل إلى جيل وتراكم المعارف ليتطور البشر ويضيفوا إلى خبرات من سبقوهم.
لذلك ما يميز الإنسان عن بقية الحيوانات هو فن القراءة والكتابة وتسجيل المعلومات.
وتبادلها مع بقية أبناء جنسه.
علاقة العلم بالمال و السياسة:
قبل القرن الخامس عشر كانت العلوم المادية تتطور لكنها غير مرتبطة بالمال و لا الإقتصاد.
كان العلماء يكتبون العلم و ينشرونه لحبهم للعلم و ليس للمكسب المالي. فقط يريدون إحترام
التالميذ ونشر العلم ونسبه إلى العالم الذي توصل إليه.
وعدم سرقة العلم من أي شخص ونسبته إلى شخص أخر.
وكان على كل عالم من العلماء أن يبحث عن مصدر رزق من خلال تبني أحد الاغنياء أو الحكام له أو أن يضمه الى البلاط التابع له.
أو أن يكون هذا العالم أو المفكر غني ويقضي وقته في التأمل والتفكير والبحث والكتابة.
لأن البحث العلمي كان لا يعتبر مصدراً للرزق.
في عصور اليونان و الرومان كان العلماء والمفكرين يفضلون تفادي التجربة العملية وكانوا يعتبرون أن التفكير المنطقي هو أرقى مستويات العلم بدون تجربة عملية.
لكن مع الحضارة الإسلامية أضاف العلماء المسلمون أمرين في غاية الأهمية.
1 - أن يتم إضافة العلوم المنطقية إلى العلوم التجريبية فلا يكتفي العالم بمجرد الوصول إلى تفسير يبدو منطقياً إلي ظاهرة يراها.
بل عليه أن يقوم بتجارب معملية ليثبت أو ينفي هذا الإفتراض.
مما صنع أول ثوابت العلم الحديث وهو العلم المبني على الدليل التجريبي بالإضافة إلى المنطق والرجوع إلى مراجع السابقين.
2 – إستعمال الرياضيات وتطويرها في إثبات أو نفي الكثير من النظريات وحساب الكثير من الفرضيات.
لكن ظل العلماء المسلمون يعملون في العلم فقط حباً في العلم.
وكما سرق علماء اليونان علم الفراعنة والبابليين ونسبوه لأنفسهم, فأيضاً سرق الكثير من
علماء أوروبا الغربية الأوائل الكثير من علوم الأندلس و علماء المسلمين و نسبوه إلى أنفسهم.
ومع القرن السادس عشر بدأ عصر الإستكشاف وإكتشاف أراضي جديدة ورسم الخرائط .
وهذا إستلزم تنظيم الإستكشاف.
وهذا إستلزم أمرين :
أولاً :
بدأت تظهر لأول مرة فكرة أن أول من يكتشف أرضاً ما من الأوروبيين و يرفع علم حكومته عليها لتصبح تابعة لهذه الحكومة.
لتفادي فوضى الإستكشاف و الصراعات في أراضي كثير واسعة و جديدة.
و من هنا ظهرت فكرة براءة الإختراع أو أن أول من يصل إلى هذا الإختراع أو الإكتشاف
يصبح هذا الإكتشاف ملكا له و يستعمله و يتحكم في فوائده المالية لفترة من الزمن.
ثانياً :
السفر لمسافات عبر البحار وتبادل البضائع بين ثقافات مختلفة , يحتاج إلى تنظيم الوقت
وتطوير الساعات وتنظيم الوحدات التي يتم بها قياس كل شيء, من مسافات وزمن و علم الخرائط و الجغرافيا.
كما يتم تحويل هذه المقاييس للمسافات والأطوال والأوزان إلى وحدات عالمية يستعملها
الجميع حول العالم كي تصبح لغة مشتركة مفهومه , مثل إستعمال مقياس المتر و الساعة
والدقيقة و الكيلوجرام .. إلخ. و بالتالي يسهل التجارة حول العالم و تحديد المسافات و أسعار البضائع وكمياتها.
ونتيجة لفكرة براءة الإختراع أصبح العالم يمكنه أن يبتكر فكرة تتسبب في جعله غني إما عن
طريق إستعمال هذه الفكرة أو عن طريق بيع الفكرة إلى رجل أعمال كي يستفيد منها في كسب
المال أو التصنيع و بالتالي أصبح من مصلحة أصحاب المال تمويل العلم والبحث العلمي لتطوير مصانعهم والتفوق على المنافسين.
ومن هنا أصبح العلم لأول مرة مصدرا للمال والمكسب ومجال للإستثمار مثل التجارة والزراعة وكل الأعمال.
كذلك مع تطور العلم بدأ العلماء يستعملون العلم في جوانب كثيرة منها الحروب و السلاح والتجسس و الصراع.
فحصل العلماء أيضاً على تمويل الحكومات كي تحقق الحكومات القوة العسكرية و التوسع و السيطرة.
وأصبح هناك جوانب علمية هدفها الربح المادي مثل تطوير طريقة ما في الصناعة لتحقيق مكسب سريع لصاحب مصنع.
وجوانب أخرى علمية ليس لها عالقة بتحقيق المكسب المالي السريع مثل دراسة المحيطات أو حياة الكائنات في الغابة.
وبالتالي فهذه العلوم تعتمد في التمويل على التبرعات أو الأوقاف أو التمويل الحكومي
وكثيراً ما نجد اليوم أبحاثاً ليس هدفها الربح لكن بعد عدة سنوات يجد رجال الأعمال أو الحكومات فائدة ربحية منها.
طبعاً هذا جعل العلم يقفز بسرعات كبيرة وغير مسبوقة في التاريخ بسبب ربط العلم بالمال والربح والمكسب.
لكن من ناحية أخرى سحب الكثير من سيطرة العلماء على توجهات العلم والبحث العلمي و أصبح المتحكم في توجهات البحث العلمي.
بل وأحياناً نتائجه هو الممول وأصحاب رؤوس الأموال. حتى لو كانت نتائج غير أخالقية. أو تخدم البشر.
و اليوم نرى جنوب شرق آسيا يدخل في سباق البحث العلمي و يحقق تطورات سريعة في وقت قصير بسبب زيادة تمويل البحث العلمي و منظومة براءة الإختراع.
فأصبح العلم ليس فقط مصدراً لإحترام المجتمع ولكن أيضاً لكسب المال وتحقيق الأرباح للعلماء والمبتكرين ومن يمولهم والمؤسسات التي تقف وراءهم .
و من يلاحظ رحلة تطور العلم و العلماء جغرافيا نجد أن الدول العظمى في أواخر عهدها
تعتمد على إستيراد العقول والخبرات حيث تصبح العقول المحلية كسولة وتفضل حياة
الرفاهية و مؤامرات السياسة على الدخول في العلم والإبداع العلمي.
فنجد مثال الدولة العثمانية في القرن السابع عشر لا تزال قوية وغنية فتستورد العقول من أوروبا ليصنعوا لها الأسلحة و يبنوا لها المباني و يصمموا لها التصميمات.
وبالتدريج ينتقل مركز العلم و الإبداع إلى أوروبا.
كذلك نرى اليوم في القرن العشرين الولايات المتحدة الامريكية تستورد العقول من الصين والهند و اليابان.
بينما يفضل الكثير من الأمريكيين العمل في وظائف أخرى تعود بدخل أكبر وتضمن راحة أكثر.
وبالتدريج ينتقل مركز العلم والإبداع العلمي إلى جنوب شرق آسيا.
ويجب هنا أن نتطرق إلى جانب هام و هو إحتكار العلم.
فهناك علوم يجب أن يحتكرها الناس أو أن يمنعوا إنتشارها تحت حجة إنها براءة إختراع .
مثل علوم الطب و عالج البشر والكثير من العلوم في الزراعة أو الصناعة.
فمثال حين تحتكر شركة دواء سر صناعة دواء ما وتبيع هذا الدواء بسعر عالي وتستغل
إحتياج الناس له فهذا غير أخلاقي. و ما تدعيه بعض الشركات من أن البحث العلمي يكلف
الكثير من المال مما يبرر إرتفاع السعر للدواء الجديد و إحتكار تصنيعه فهو كالم غير حقيقي
و لو راجعنا أجور العلماء و الباحثين و تكلفة المعامل البحثية فسنجدها أقل بكثير مما تحققه
هذه الشركات من أرباح خرافية.
هذه الحجة لا تبرر إرتفاع السعر فالتكلفة في أغلب الأحيان ليست بهذا الإرتفاع , بل إن كثير
من الباحثين يقدمون عملهم و وقتهم بال مقابل او بمقابل زهيد أو تطوعي و لكن تشتري
الشركه هذا الإبداع و تتاجر فيه و تحتكره.
فإرتفاع السعر سببه الحقيقي هو الجشع لمديري الشركات و أصحاب الشركات الرأسماليين.
و ربما يكون الحل هو العودة إلى منظومة الأوقاف حيث يتبرع الناس بمبالغ للخير والعلم و
البحث العلمي مما يضمن إستقالال العلم و العلماء عن الحكومات التي تبحث عن مكاسب
سياسية و صراعات و أيضاً مستقل عن رأسمالية الشركات التي تبحث عن ربح مالي دون
إهتمام بالأخلاق.
و يجب هنا أيضاً أن نتوقف قليلاً عند تأثير النظريات العلمية على أفكار الشعوب و سياستها.
إسحاق نيوتن:
ظهر كتاب إسحاق نيوتن Principia Naturalis Philosophiæ
Mathematica , المكتوب بالالتينية مثل كل كتب العلم في هذا العصر وإنتشر في أول القرن الثامن عشر.
وقدم رؤية ميكانيكية للكون يمكن من خاللها توقع حدوث الأشياء وحركة الكواكب والجسيمات .
وإنتشر تأثير هذه النظرية العظيمة التي ربطت بين الفيزياء والرياضيات.
مما جعل المفكرين والفلاسفة والسياسيين ينظرون إلى كل شيء في هذا العالم بنظرية الميكانيكية!.
أن العالم مثل الساعة والتروس. و يجب فيها الحفاظ على منظومة لحركة التروس.
وهذا ساعد على إنتشار أفكار فلسفية حتمية والأفكار التي تشجع على النظر
للشعوب كأنها ليست مجموعة من البشر , بل مجموعة من التروس بالمشاعر ووظيفتها العمل أو الحرب.
مما صنع الفكر الشيوعي والفكر النازي والأفكار الشمولية والقومية العسكرية.
التي تبحث عن الإنتاج والقوة بدون أي تقدير للحرية الفردية والإستقاللية والإحتياجات الروحية.
داروين:
ظهرت نظرية داروين في أول القرن الثامن عشر وتتحدث عن التطور بين الكائنات وقدرتها على التكيف مع البيئة.
لكن أخذها الكثير من السياسيين والفلاسفة لبناء ما يسمى الداروينية الإجتماعية والسياسية والتي تبرر الإستعمار والإحتلال وسيطرة أي قوي على ضعيف بلا أخلاق تحت شعار البقاء للإصلح .
وكذلك نظريات الشيوعية و الرأسمالية التي تقدم طبقات المجتمع تتصارع والبقاء لمن ينتصر.
سواء الأغنياء ينتصرون في الرأسمالية أو البروليتاريا ينتصرون في الشيوعية.
كذلك نجد تأثيرات نظريات فرويد النفسية على الكثير من الفنون في الإعلام و الرسومات و
الافلام و الروايات.
نظرية الكم و أينشتاين و النسبية :
نظرية الكم تتعامل في نطاق ما هو أصغر من الذرة و هذه هي النظريات التي تم عليها بناء
الطاقة النووية و الكمبيوتر و الحاسوب و الكثير من العلوم الحديثة و ظهرت في العالم قبل
الحرب العالمية الأولى مباشرة. في أول القرن العشرين.
و مع هذه النظريات بدأت نظرية نيوتن و الأفكار الحتمية الميكانيكية تهتز و يحل محلها أفكار
مثل العشوائية و الترابط الغير مرئي entanglement و عامل الصدفة و التحول في
العالقة بين الجسيمات و الطاقة و الموجات و الترددات في الخواص تحت الظروف المتغيرة.
و هذا كله ساعد على أفكار فلسفية مضادة تماماً لما كان موجود على الساحة في القرن التاسع
عشر بتأثير نظرية نيوتن. فظهرت نظريات مضادة و أعمال فلسفية و فنية مضادة , مثل إنتشار الروحانيات رغم ضعف الكنيسة في الغرب.
وتزايد الأفكار العديمة التي ترفض فكرة إمكانية توقع المستقبل و التخطيط له , بل و أحياناً التشاؤم من الحاضر و توقع مستقبل مظلم والسعي للهروب من العالم الواقعي.